شكلت صور عودة عشرات آلاف النازحين الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة، صدمة للإسرائيليين قادة ومستوطنين، وسجلت مشاهد العائدين إلى مناطقهم لحظة فارقة في تاريخ الشعب الفلسطيني، وسلطت الضوء على أهمية حق العودة، وتمسك الفلسطيني بأرضه، مهما بلغت التضحيات.
وذكر تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن أكثر من 376 ألف فلسطيني عادوا إلى شمال قطاع غزة بين صباح الاثنين وبعد ظهر الثلاثاء.
واعتبرت صورة الحشود بمئات الآلاف من الفلسطينيين بأنها نهاية الحرب، في حين رأى عاموس هارئيل المحلل العسكري لصحيفة هآرتس أن تلك الصورة حطمت أوهام النصر المطلق التي روج لها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وأنصاره منذ أشهر.
كما رأى زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد أن عودة سكان غزة إلى منازلهم قبل عودة جميع سكان مستوطنات غلاف غزة “دليل مؤلم” على عجز حكومة نتنياهو.
وعبر رئيس حزب “العظمة اليهودية” إيتمار بن غفير عن حالة الإحباط في إسرائيل من مشاهد عودة النازحين، وقال “إن فتح طريق نتساريم ودخول عشرات الآلاف من سكان غزة إلى شمال قطاع غزة هي صور لانتصار حماس وجزء مهين آخر من الصفقة المتهورة واللامسؤولة”.
وأضاف أن هذا ليس ما يبدو عليه “النصر الكامل، بل هذا هو ما يبدو عليه الاستسلام الكامل، فلم يقاتل جنود الجيش الإسرائيلي ولم يضحوا بأرواحهم في القطاع لجعل هذه الصور ممكنة”.
كما حذر منتدى القادة والجنود الاحتياط بالجيش الإسرائيلي من أن عودة الغزيين إلى شمال قطاع غزة تعد خطوة خطيرة، وتعني “التنازل عن أصل إستراتيجي تم الحصول عليه في الحرب لصالح صفقة جزئية وخطيرة. وبدلاً من هزيمة حماس، فإن الجيش الإسرائيلي مضطر لمواجهة واقع من شأنه أن يقوض قدرته على الفوز، ويجب على الجمهور أن يفهم الثمن الباهظ لهذا القرار”.
تكريس خيار العودة
يرى القيادي في حركة حماس محمود مرداوي أن عودة النازحين بهذا الزخم والتدفق ترسل رسالة “أن الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه، وأن الهجرة ليست خيارًا لا طوعيًا ولا بالإكراه، وأن هذا له دلالات واضحة على المستوى الجماعي، والفردي تعكس تمسك الفلسطينيين بحق العودة والتصاقهم بأرضهم وبوطنهم”.
رد على تصريحات ترامب
من جهته، اعتبر القيادي في حركة فتح والخبير في الشؤون الإسرائيلية سفيان أبو زايدة أن عودة النازحين حملت في طياتها ردا عمليا على تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي دعا فيها إلى ترحيل الفلسطينيين إلى مصر والأردن، وإلى دول أخرى.
فكانت هذه العودة وبهذه الأعداد أكبر رسالة لترامب أن الشعب الفلسطيني عمليًا متشبث بأرضه ولن يرضى عنها بديلًا، لأن تجربة الشعب الفلسطيني كانت مريرة جدا في كل ما يتعلق بالنزوح، وقد جرب ذلك عام 48 وجرب ذلك عام 67 ولا يريد أن يخوض ذات التجربة عام 2025.
إفشال مخططات الاستيطان
أفشلت عودة النازحين المخطط الإسرائيلي الكبير بعودة الاستيطان إلى قطاع غزة، وحطمت آمال اليمين الإسرائيلي الذي كان يسيل لعابه من أجل استقرار المستوطنين شمال غزة.
انتصار الوعي الجمعي
عززت الصورة المتشابكة بالأعداد الكبيرة للنازحين -في مشهد العودة من الجنوب ومن الوسط إلى الشمال- وعي الفلسطيني بالتمسك بأرضه، حتى وإن تعرض لكل ما تعرض له من عملية ممنهجة ومن عمليات إبادة، مما يعد صورة مغايرة كليًا لما حدث عام 1948