تشهد الساحة الدبلوماسية الإسبانية حراكاً متزايداً مع تداول وسائل إعلام محلية معطيات حول ترتيبات زيارة مرتقبة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى مدريد خلال الشهر الجاري، بينما تتزامن هذه التطورات مع رسائل سياسية بارزة صدرت عقب الاجتماع الرفيع بين المغرب وإسبانيا، ما أعاد النقاش حول توازنات مدريد بين الرباط والجزائر.
وتشير صحيفة “ذا أوبجكتيف” إلى أن رئيس الوزراء بيدرو سانشيز يستعد لاستقبال تبون في إطار سعي الحكومة الإسبانية إلى الحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها مع الجانبين، خصوصاً في ظل المستجدات المتسارعة المرتبطة بملف الصحراء المغربية. كما تتجه مدريد، وفق المصدر ذاته، إلى المصادقة على تعيين راميرو فرنانديز باتشييير سفيراً جديداً لدى الجزائر تمهيداً للإعلان الرسمي عن الزيارة.
وفي السياق ذاته توضح الصحيفة أن الزيارة ستكون الأولى من نوعها لتبون منذ توليه مهامه سنة 2019، في وقت لم يقم سانشيز بأي زيارة إلى الجزائر منذ 2020، بينما تراجع حضور الرئيس الجزائري أوروبياً إلى محطات محدودة شملت إيطاليا والبرتغال وسلوفينيا.
ومن جهة أخرى تبرز هذه المؤشرات في ظل محاولات الجزائر إعادة ترميم علاقتها مع مدريد بعد فشل سياسة الضغط التي انتهجتها منذ مارس 2022 بهدف تغيير الموقف الإسباني من مبادرة الحكم الذاتي، وهو الموقف الذي ترسخ أكثر في توجهات السياسة الخارجية الإسبانية.
لكن السالك رحال، الناطق الرسمي باسم حركة “صحراويون من أجل السلام”، يؤكد أن ما يتم تداوله لا يزال في حدود التسريبات الإعلامية، لافتاً إلى غياب أي إعلان رسمي من الجانبين، ومشيراً إلى أن البرمجة الدبلوماسية عادة ما تسبقها إشارات واضحة قبل الإعلان عنها. ثم يضيف أن الاعتبارات الزمنية تُعقّد الأمر، لأن أي موعد بعد عشرين دجنبر يصطدم بفترة الأعياد حيث تتوقف الأنشطة الرسمية في أوروبا.
وبالموازاة مع ذلك يشدد رحال على أن الحسم يبقى رهيناً بصدور بلاغ رسمي، خاصة أن العلاقات بين مدريد والجزائر تمر بمرحلة دقيقة تتطلب وضوحاً في الخطوات المعلنة.
وإلى ذلك يرى محمد فاضل بقادة، رئيس مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالحركة ذاتها، أن قرار مجلس الأمن رقم 2797 غيّر قواعد التعاطي مع ملف الصحراء بعد إعادة التأكيد على مركزية مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، ما دفع عدداً من الدول، بينها الجزائر وإسبانيا، إلى مراجعة منهج تعاملها مع تطورات الملف.
كما يوضح المتحدث أن التحولات الأخيرة تفرض على الجزائر إعادة تقييم خطابها التقليدي، بينما تبدو زيارة تبون محاولة لإعادة بناء قنوات التواصل مع مدريد، غير أن أثرها سيظل محدوداً أمام ثبات الموقف الإسباني الداعم للحكم الذاتي.
ويرجح بقادة أن الخطوة الجزائرية تندرج في سياق تقليص خسائرها الدبلوماسية بعد القرار الأممي الأخير، لكنها تظل أقرب إلى مقاربة اقتصادية مرتبطة بملفات الطاقة والمعادن أكثر من كونها مراجعة سياسية حقيقية للموقف تجاه النزاع. ولذلك يتوقع استمرار إسبانيا في تبني موقفها الثابت، مقابل محاولة الجزائر التأثير على مسار المفاوضات عبر جبهة البوليساريو.
