في لحظة دقيقة يمر منها المغرب، حيث تتعالى أصوات الشباب والمواطنين للمطالبة بحقوقهم في الصحة والتعليم والعيش الكريم، يصبح من الضروري التمييز بين ما هو مشروع وما هو مرفوض. فالمطالب التي يرفعها الشارع المغربي مطالب عادلة وشرعية، تعكس عمق الأزمات الاجتماعية التي لم تستطع السياسات العمومية معالجتها منذ سنوات. لا أحد يمكن أن ينكر أن الحق في تعليم جيد، وصحة لائقة، وفرص عمل كريمة، هو حق أصيل لكل مواطن، وهي أولويات لا تحتمل مزيداً من الانتظار أو التسويف.
لكن الخطورة تكمن حين تنزلق بعض الاحتجاجات من السلمية إلى الفوضى والتخريب. فالتكسير والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة لا يخدم القضايا العادلة، بل يسيء إليها. إن المواطن البسيط الذي يُتلف محله التجاري، أو السائق الذي تُحطم سيارته، يعيش نفس المعاناة، ويشارك المحتجين ذات الهموم. التخريب في النهاية يعاقب الضحية لا الجاني، ويعمق من جراح مجتمع يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى التماسك والوحدة.
وفي خضم هذا المشهد، يقف الإعلام المغربي أمام امتحان حقيقي. فليس المطلوب منه أن يتحول إلى أداة لتلميع صورة المؤسسات، ولا أن يكتفي بنقل صور مشوهة تركز على الفوضى وتتجاهل جوهر المطالب. إن دوره الأساس هو نقل الحقيقة كما هي، دون تهويل أو تلميع، مع إعمال حس التوعية والتحليل. فالإعلام مطالب بأن يكون صوت العقل، يفسر الأحداث للمواطن، يشرح خلفياتها، ويساعد على بناء وعي جماعي يتجاوز الانفعال اللحظي نحو التفكير في الحلول الممكنة.
إن الإعلام الجاد لا ينحاز إلا للمصلحة الوطنية العليا، وهذه المصلحة لا تتحقق إلا بمصارحة الناس بالواقع، مع الحفاظ على استقرار البلاد وصون مؤسساتها. كما أن على الإعلام أن يساهم في توجيه النقاش نحو ما هو جوهري: كيف يمكن أن نحول مطالب الشارع المشروعة إلى سياسات عملية؟ وكيف يمكن أن نضمن أن يكون الاحتجاج وسيلة ضغط سلمية فعّالة، لا ذريعة للفوضى وخسارة مزيد من الثقة؟
إن المغرب اليوم في حاجة إلى مقاربة متوازنة، تعترف بشرعية المطالب الشعبية، وتعمل على الاستجابة لها عبر إصلاحات عميقة، وفي الوقت ذاته ترفض الانزلاق نحو التخريب الذي لا يخدم إلا من يتربص بالوطن. والإعلام، في قلب هذه المعادلة، مطالب بأن يضطلع بدوره كمرآة صادقة للمجتمع، وكسلاح تنويري يبني الوعي بدل أن يهدمه.
فإذا كان الشارع يعبر عن نبض الوطن، فإن الإعلام هو العقل الذي يفسر هذا النبض ويوجهه نحو البناء لا الهدم، ونحو الأمل لا اليأس.