شهد المغرب في الآونة الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في الاحتجاجات التي يقودها جيل زد، هذا الجيل الذي يُعرف بخصائصه الفريدة وتطلعاته المغايرة. لقد بدأت هذه التحركات السلمية بمطالب اجتماعية مشروعة، تعكس إحساسًا عميقًا بالتهميش والإقصاء، لتتحول تدريجيًا إلى أعمال عنف وتخريب للممتلكات العامة والخاصة، في سيناريو يعيد طرح أسئلة جوهرية حول طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع، ودور الشباب في تشكيل مستقبل البلاد.
إن الشرارة الأولى لهذه الاحتجاجات غالبًا ما تكون مطالبات اجتماعية واقتصادية تتعلق بتحسين ظروف العيش، توفير فرص العمل وتحقيق العدالة الاجتماعية. إن جيل زد، بحكم انفتاحه على العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بات يدرك حجم الفجوة بين طموحاته والواقع المعيشي الذي يواجهه. إلا أن ما يُلاحظ هو أن هذه المطالب، التي كان يمكن احتواؤها عبر الحوار البناء والاستجابة الفعالة، غالبًا ما تواجه بتجاهل حكومي وعدم تحمل للمسؤولية، ما يُفسح المجال لتصاعد الاحتقان وتغيير مسار الاحتجاجات.
يُعدّ عدم فتح باب الحوار من قبل الحكومة، وتفضيل المقاربة الأمنية العنيفة للتعاطي مع هذه التحركات، نقطة تحول حاسمة. فبدلاً من الاستماع إلى صوت الشباب ومحاولة فهم جذور غضبهم، يُنظر إلى هذه الاحتجاجات كتهديد للنظام العام يتطلب الرد الأمني الصارم. هذه العنهجية في التعامل مع المطالب الاحتماعية . تُصعد من وتيرة الاحتجاجات، وتُعطيها بُعدًا جديدًا من التحدي والمواجهة، خاصة في المدن الهامشية التي تُشكل بؤرًا للفقر والهشاشة والأمية.
هاته المناطق التي تعاني من غياب التنمية وانعدام الفرص، تجد في الاحتجاجات متنفّسًا للتعبير عن سنوات من الإحباط والتهميش.
“جيل زد”، هذا الجيل الرقمي بامتياز، يتميز بخصائص تجعله مختلفًا عن الأجيال السابقة. فهو جيل يميل إلى الاندفاع والبحث عن التغيير السريع. إضافة للثورة على المؤسسات التقليدية التي يرى فيها عراقيل لتحقيق طموحاته.
إنه جيل نشأ في عالم يتسم بالسرعة الفائقة للمعلومات، ما يجعله أقل صبرًا على بطئ الإصلاحات أو وعودها البعيدة. كما أنه أكثر وعيًا بالدور التي تُحدثهد المظالم الاجتماعية والاقتصادية، وأكثر استعدادًا للتعبير عن غضبه بوسائل قد تبدو متطرفة للبعض.
هاته الفئة من الشباب تُشكل “قنبلة موقوتة” حقيقية في المجتمع المغربي. فوفقًا للمندوبية السامية للتخطيط، هناك حوالي 2.5 مليون شاب وشابة تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 سنة لا يدرسون ولا يعملون ولا يتابعون أي تكوين. هذا الرقم، الذي يُشكل نسبة كبيرة من الشباب في سن العمل، يُنذر بمستقبل قاتم إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة وفعالة لمعالجة هذا الإقصاء. إن هذه الفئة، التي تُعرف اختصارًا بـ “النييتس” (Not in Education, Employment, or Training)، تُعدّ خزانًا لليأس والإحباط، ما يجعلها عرضة بشكل كبير للانجرار نحو أشكال التعبير العنيف عن غضبها.
ولقد صدرت العديد من التحذيرات حول الخطر الذي يمكن أن تُسببه هذه الفئة من الشباب، وعن ضرورة دمجهم في النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلاد. إلا أن هذه التحذيرات لم تُؤخذ على محمل الجد من قبل الدولة، ولم تُترجم إلى سياسات عمومية شاملة وفعالة قادرة على معالجة المشكلة من جذورها. واليوم، نرى كيف بدأت هذه “القنبلة الموقوتة” في الانفجار في عدة مدن، مُخلفةً وراءها مشاهد من العنف والتخريب، ومُعبرةً عن غضب مكبوت طال انتظاره.
إن تحول الاحتجاجات السلمية ل”جيل زد” إلى العنف ليس مجرد حدث عابر، بل هو مؤشر على خلل عميق في المنظومة الاجتماعية والسياسية. إنه يدعو إلى إعادة النظر في كيفية تعاطي الدولة مع قضايا الشباب، وضرورة تبني مقاربة شاملة تقوم على الحوار، والاستماع، والاستجابة الفعالة للمطالب المشروعة. بدلًا من الاعتماد على المقاربات الأمنية التي غالبًا ما تُزيد الوضع تعقيدًا وتُعمق من أزمة الثقة بين الشباب والمؤسسات. إن مستقبل المغرب يعتمد بشكل كبير على قدرته على احتواء طاقات هذا الجيل، وتحويل غضبه إلى قوة دافعة للتنمية والبناء، قبل فوات الأوان.