بقلم: الأستاذ محمد عيدني – فاس
يعيش دوار الحشالفة بجماعة أولاد الطيب نواحي فاس، واحدة من أكثر فترات التهميش قسوة في تاريخه الطويل. فهذا الدوار، الذي يُعد من أقدم التجمعات السكنية بالمنطقة، كان يومًا ما رمزًا للوفاء الوطني والانتماء الترابي، حيث ينحدر سكانه من أسر الكيش الذين قدموا من ميسور وطا الحاج، وحملوا في ذاكرتهم قيم الولاء للوطن والدفاع عن الأرض والعرش.
غير أن حاضر الدوار لا يعكس ماضيه المجيد. إذ يعيش السكان اليوم واقعًا قاسيًا، تتقاطع فيه معاناة البنية التحتية المهترئة مع إقصاء تنموي واضح، يجعل الحياة اليومية معركة مفتوحة ضد الإهمال والنسيان.
تئن الطرقات تحت وطأة الحفر:
تظهر معاناة الحشالفة منذ اللحظة الأولى التي تطأ فيها قدماك تراب الدوار. فالطرقات، التي يفترض أن تربط الساكنة بالعالم الخارجي، تحولت إلى مسالك مليئة بالحفر والأوحال، تزداد سوءًا مع كل فصل مطر. سيارات النقل المدرسي والعربات الفلاحية تجد صعوبة في المرور، والساكنة لا تملك سوى التذمر والدعاء بأن يصلها الإصلاح يومًا.
ورغم الشكاوى المتكررة والعرائض التي رفعها السكان إلى الجهات المسؤولة، فإن الرد ظل غائبًا، وكأن صدى أصواتهم لا يجد طريقه إلى مكاتب القرار.
يغرق الدوار في الظلام كل ليلة:
في المساء، تتبدد ملامح الدوار وسط عتمة خانقة. فالأعمدة الكهربائية قائمة في مكانها، لكنها بلا روح، بعد أن انطفأت مصابيحها منذ زمن. هذا الظلام الدامس لا يهدد فقط راحة السكان، بل يزرع الخوف في النفوس، ويفتح الباب أمام أنشطة مشبوهة تمر تحت ستار الليل.
ولأن انتظار الجماعة طال، اضطر بعض السكان إلى شراء مصابيح على نفقتهم الخاصة لإضاءة ما أمام بيوتهم، في مشهد يُجسد غياب العدالة المجالية، ويعكس عجز الجماعة عن توفير أبسط شروط الأمان والكرامة.
يتحدث السكان عن غياب الدعم وغياب الأمل:
لا يقتصر التهميش على الطرق والإنارة، بل يمتد إلى غياب الدعم الفلاحي عن صغار المزارعين، الذين يعانون من قلة الموارد وشح الإمكانيات. فبينما تنعم مناطق مجاورة ببرامج تنموية ودعم حكومي، يجد فلاحو الحشالفة أنفسهم خارج دائرة الاهتمام، كأنهم يعيشون على هامش الخريطة.
ويؤكد عدد من أبناء الدوار أن الجماعة لا تملك رؤية تنموية واضحة، وأن الرئيس المنتخب وجد نفسه محاصرًا بالقيود الإدارية والمالية، في وقت تزداد فيه مطالب الساكنة وتتعاظم التحديات.
يتراجع الأمل وتبقى الأسئلة معلقة:
أمام هذا الواقع، يتساءل سكان دوار الحشالفة في مرارة:
كيف يُعقل أن يظل دوار بهذه العراقة خارج مسار التنمية؟
ولماذا تُطفأ مصابيح الإنارة في زمن تُضاء فيه المدن الذكية بالذكاء الاصطناعي؟
وأين هي العدالة المجالية التي تضمن الحق في العيش الكريم لكل المواطنين؟
أسئلة كثيرة، وإجاباتها تائهة بين المكاتب والوعود. فدوار الحشالفة لا يطلب المستحيل، بل فقط نصيبًا عادلاً من التنمية والاهتمام، يليق بتاريخ سكانه الذين خدموا الوطن ووقفوا إلى جانب العرش عبر أجيال متعاقبة.يختزل دوار الحشالفة مأساة قرى مغربية كثيرة تعيش على هامش المدن الكبرى: قرى لها تاريخ عريق، لكنها تواجه الحاضر بلا موارد ولا رؤية.
إنها قصة مكانٍ يعيش بين مجد الأمس وتهميش اليوم، في انتظار أن تشرق عليه شمس الإنصاف والتنمية الحقيقية.