بقلم: الأستاذ محمد عيدني
تُعَدّ القوات المساعدة والوقاية المدنية من الأجهزة الحيوية التي تضطلع بأدوار محورية في الحفاظ على الأمن العام وحماية الأرواح والممتلكات. ومع ذلك، فإن وضعية هذين الجهازين لا تزال، في نظر العديد من الباحثين والمراقبين، بعيدة عن مستوى التقدير الذي يوازي حجم المهام الملقاة على عاتقهما. فكثيرًا ما نجد عناصر القوات المساعدة في الصفوف الأمامية لمواجهة الاحتجاجات والاضطرابات، كما نجد رجال الوقاية المدنية يغامرون بحياتهم لإنقاذ الآخرين في أصعب الظروف، دون أن يحظوا بالاهتمام والدعم اللازمين، لا من الدولة ولا من المجتمع.
أدوار محورية ومخاطر متواصلة:
من الناحية العملية، تتدخل القوات المساعدة في كل الأحداث التي تشهد توترًا أو انفلاتًا أمنيًا. فهي أول قوة ميدانية تواجه الشغب والاضطرابات، وتعمل في ظروف نفسية وجسدية قاسية، في ظل محدودية التكوين وضعف الإمكانيات. إنهم يقفون في مواقع الخطر المباشر، غالبًا دون غطاء إعلامي أو اعتراف مجتمعي، مما يجعلهم “القوة الصامتة” التي تتحمل عبء المواجهة نيابة عن الدولة والمجتمع.
أما عناصر الوقاية المدنية، فهم جنود مجهولون في ميدان آخر لا يقل خطورة، إذ يُطلَب منهم التدخل الفوري في حوادث السير، والحرائق، والفيضانات، والكوارث الطبيعية. إنهم يعملون في بيئات عالية المخاطر، حيث تكون كل لحظة حاسمة بين إنقاذ الأرواح أو فقدانها، ومع ذلك فإنهم يعانون من نقص التجهيزات الحديثة ومن محدودية التعويضات المالية والمعنوية.
قصور في التكوين والدعم:
من أبرز الملاحظات التي تُسجَّل على وضعية هذين الجهازين ضعف التكوين الأكاديمي والميداني المتخصص. فالقوات المساعدة، على سبيل المثال، تحتاج إلى تكوين معمّق في تقنيات التدخل وضبط الحشود والتعامل مع مختلف السيناريوهات الأمنية، بدل الاعتماد فقط على التعليمات الميدانية والتجربة المباشرة. الأمر نفسه ينطبق على الوقاية المدنية، حيث يستدعي العمل تطوير برامج تدريبية متقدمة في مجالات الإغاثة والتدخل السريع وإدارة المخاطر الكبرى.
إضافةً إلى ذلك، يبقى الدعم المادي والمعنوي دون المستوى المطلوب. فلا الحوافز المالية ولا الاعتراف الرمزي يوازيان حجم المخاطر والتضحيات، وهو ما يخلق شعورًا بالغبن لدى هذه الفئات التي تضع نفسها يوميًا في مواجهة الأخطار حفاظًا على سلامة الوطن والمواطنين.
الحاجة إلى إصلاح هيكلي:
إن أي مقاربة إصلاحية لوضعية هذه الأجهزة ينبغي أن تنطلق من مبدأين أساسيين: أولهما الاعتراف الرسمي والمجتمعي بأهمية أدوارهم، وثانيهما الاستثمار في تأهيلهم وتجهيزهم. ويقتضي ذلك:
تحسين ظروف العمل وتوفير وسائل لوجيستية وتقنيات حديثة.
الرفع من مستوى التكوين الأكاديمي والمهني عبر شراكات مع مؤسسات وطنية ودولية.
إدماج برامج دعم نفسي واجتماعي لأفراد هذه الأجهزة، نظرًا لطبيعة الضغوط التي يتعرضون لها.
مراجعة منظومة التعويضات والتحفيزات بما يضمن كرامة العاملين ويعزز انتماءهم الوظيفي.
إن القوات المساعدة والوقاية المدنية ليستا مجرد جهازين إداريين ضمن البنية الأمنية والخدماتية للدولة، بل هما خط الدفاع الأول في مواجهة المخاطر الأمنية والإنسانية. غير أن استمرار إغفال وضعيتهما المادية والمعنوية سيُبقي على مفارقة صارخة بين حجم الأدوار التي يقومان بها وبين مستوى الاعتراف الذي يحظيان به. ومن هنا، فإن إصلاح أوضاع هذه الفئات لا يعدّ مطلبًا فئويًا محدودًا، بقدر ما هو رهان وطني على تعزيز أمن المجتمع وضمان كرامة من يحمونه.