بقلم: الأستاذ محمد عيدني – فاس
في خطوة وُصفت بالمغامرة السياسية، قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مساء الجمعة 10 أكتوبر، إعادة تعيين سيباستيان لوكورنو رئيسًا للوزراء، بعد خمسة أيام من الأزمة التي أعقبت استقالته المفاجئة. هذا القرار الذي جاء عقب مفاوضات شاقة ومحاولات فاشلة لتشكيل أغلبية مستقرة، يعكس رغبة الإليزيه في الحفاظ على الحد الأدنى من التوازن السياسي وسط أجواء من التوتر والضبابية التي تخيم على المشهد الفرنسي.
لوكورنو، الذي لم يتجاوز التاسعة والثلاثين من عمره، يُعد من الوجوه اليمينية التي التحقت مبكرًا بمعسكر ماكرون منذ عام 2017، وتمتاز شخصيته بالانضباط والابتعاد عن الأضواء. كان قد تولى رئاسة الحكومة في التاسع من شتنبر الماضي، غير أن ضغوط المعارضة، وتحديدًا من اليسار، واحتجاجات الجمهوريين، سرّعت من سقوطه بعد 27 يومًا فقط من تعيينه. استقالته، التي جاءت ساعات قبل أول اجتماع لمجلس الوزراء، فجّرت أزمة جديدة داخل مؤسسات الدولة، وأعادت إلى الواجهة النقاش حول ضعف السلطة التنفيذية في غياب أغلبية برلمانية واضحة.
ورغم قبول الرئيس استقالته، فقد عهد إليه مجددًا بمهمة “الوساطة السياسية” لمدة يومين، في محاولة لانتزاع اتفاق مع المعارضة لتفادي التصويت بحجب الثقة. ومع فشل هذه المشاورات، اختار ماكرون أن يعيد الثقة في الرجل نفسه، مفضلًا الاستمرارية على المجهول، في وقت باتت فيه البلاد في حاجة ماسة إلى حكومة لتقديم مشروع ميزانية 2026 قبل المهلة الدستورية.
قرار ماكرون هذا أثار ردود فعل متباينة؛ فبينما اعتبره البعض تأكيدًا على نفاد الخيارات داخل الأغلبية، رأى فيه آخرون خطوة واقعية تهدف إلى تجنب فراغ حكومي جديد. أما لوكورنو، فقد دعا إلى تشكيل حكومة “منزوعة الطموحات الانتخابية”، تركز على الملفات الاجتماعية والاقتصادية بعيدًا عن حسابات الرئاسيات المقبلة لعام 2027.
وبين الانتقادات والرهانات، يجد لوكورنو نفسه اليوم أمام امتحان سياسي عسير، تتوقف عليه قدرة ماكرون على استعادة الثقة في مؤسساته، وإقناع الفرنسيين بأن إعادة تدوير الوجوه يمكن أن تفتح أفقًا جديدًا لفرنسا المأزومة.