الرباط – بقلم: الأستاذ محمد عيدني
في عملية نوعية دقيقة، تمكنت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية من وضع حدٍّ لنشاط خطير هزّ الرأي العام، بعد أن أوقفت بمدينة سلا شخصًا ينتحل صفة نائب وكيل الملك، ويستغل هذه الصفة الوهمية للنصب والاحتيال على المتقاضين، واعدًا إياهم بالتدخل لفائدتهم في ملفات معروضة أمام القضاء، مقابل مبالغ مالية متفاوتة.
وحسب مصادر أمنية مطلعة، فقد كان المعني بالأمر يعتمد أسلوبًا محكمًا في إقناع ضحاياه، من خلال تقديم نفسه كمسؤول قضائي نافذ، واستعماله لغة قانونية ومصطلحات قضائية دقيقة توحي بمصداقية عالية، ما جعله يوقع عددًا من المواطنين في شباكه، خاصة أولئك الذين يواجهون ملفات حساسة أو قضايا نزاعية معقدة.
التحريات التي باشرتها الفرقة الوطنية كشفت أن الموقوف لم يكن يعمل بمفرده، بل كان يدير شبكة من ثلاثة أشخاص آخرين يتولون عملية الوساطة واستقطاب الضحايا، قبل أن تتم الإطاحة بالجميع في كمين محكم، ليُحال المتورطون على النيابة العامة المختصة التي أمرت بإيداعهم سجن العرجات في انتظار استكمال التحقيقات.
وقد تم تقديم المتهم الرئيسي أمام الجهات القضائية بتهم ثقيلة تتعلق بـالانتحال، والنصب والاحتيال، واستغلال النفوذ الوهمي، وهي تهم يعاقب عليها القانون المغربي بأحكام صارمة، خصوصًا حين ترتبط بجهات تدّعي الانتماء إلى سلك العدالة.
من جهتهم، عبّر عدد من المتقاضين والمواطنين عن ارتياحهم لهذه العملية الأمنية الدقيقة، مشيدين بصرامة مصالح الأمن في مواجهة مثل هذه الممارسات التي تسيء إلى سمعة العدالة المغربية وتزعزع ثقة المواطن في مؤسساتها.
وأشارت مصادر متطابقة إلى أن المصالح الأمنية تواصل التحقيق لتحديد الامتدادات المحتملة لهذه الشبكة، وما إذا كانت لها صلات بأشخاص آخرين أو بجهات تساعدها على تسهيل نشاطها الاحتيالي.
ما وراء الحادث:
تكشف هذه القضية الخطيرة عن ثلاثية متشابكة من الخداع والثغرات والجرأة على القانون.
فانتحال صفة قضائية رفيعة مثل “نائب وكيل الملك” ليس مجرد عملية نصب تقليدية، بل هو اعتداء رمزي على هيبة العدالة وثقة المواطنين في القضاء. مثل هذه الأفعال تستهدف بالدرجة الأولى هشاشة الوعي القانوني لدى بعض المواطنين، الذين يعتقدون أن العلاقات والتدخلات يمكن أن تختصر المساطر القضائية.
القضية تطرح سؤالًا جوهريًا:
إلى أي مدى يتم ضبط ومتابعة الظواهر التي تمسّ بسمعة المؤسسات القضائية؟
وتؤكد الواقعة الحاجة إلى تعزيز ثقافة القانون والشفافية، وإلى توعية المواطنين بأن العدالة لا تُشترى ولا تُباع، وأن الانخراط في مثل هذه الصفقات الوهمية لا يؤدي سوى إلى نتائج وخيمة.
من جهة أخرى، تبرز العملية كفاءة الأجهزة الأمنية في تتبع الشبكات التي تحاول المساس بقدسية المؤسسة القضائية، وهو ما يعزز الإحساس العام بأن الدولة جادة في حماية سمعة القضاء وتحصين الثقة في مؤسساته.
وفي النهاية، تبقى هذه القضية جرس إنذارٍ جديد يدعو إلى مزيد من الصرامة القانونية واليقظة المجتمعية، حتى لا يجد “المحتالون باسم العدالة” أي مجال للتسلل إلى نفوس الناس أو تشويه صورة القضاء المغربي.