الرباط – بقلم: الأستاذ محمد عيدني
تتسع رقعة الاحتيال في مجال الهجرة والشغل يومًا بعد يوم، إذ كشفت مصادر مطلعة أن سيدة تنحدر من مدينة الرباط تدير شبكة معقدة لتجنيد الشباب المغاربة نحو دولة قطر، عبر وعود وهمية بالحصول على وظائف كـ“حراس أمن” داخل شركات كبرى، مقابل مبالغ مالية ضخمة تتراوح بين 30 و60 ألف درهم للفرد الواحد.
وحسب المعطيات التي حصلت عليها جريدة أصوات، فإن هذه السيدة تعتمد على شبكة من الوسطاء ينتشرون في عدد من المدن، أبرزها فاس، تمارة، والرباط، يتكلفون باستقطاب الراغبين في العمل بالخارج، خصوصًا الشباب العاطلين أو محدودي الدخل الذين يرون في هذه الفرصة “طوق نجاة” من البطالة.
وتشير المعلومات الأولية إلى أن المتهمة توهم الضحايا بوجود اتفاقات رسمية مع شركات قطرية في مجالات الأمن الخاص والحراسة، وتعرض عليهم عقودًا مزيفة ومراسلات إلكترونية تحمل شعارات لشركات أجنبية، بهدف إقناعهم بجدية العرض. كما تُطالبهم بإرسال مبالغ مالية “لتغطية مصاريف الملف والسفر”، قبل أن تختفي بعد تسلم الأموال أو تراوغهم بمبررات واهية.
ضحايا كُثر تحدثوا للجريدة عن أساليب إغراء ممنهجة تستعملها هذه السيدة، من قبيل إظهار صور مع أشخاص يُزعم أنهم من جنسيات خليجية، أو استعمال وسائل التواصل الاجتماعي لبث مقاطع فيديو توحي بأنها تتعامل مع جهات رسمية. وقال أحد الشباب الذين وقعوا في الفخ:
“كانت تعدنا بعقود رسمية ورواتب تفوق 8000 درهم، وتؤكد أن كل شيء مضمون عبر وزارة التشغيل القطرية، قبل أن نكتشف أن الأمر مجرد احتيال منظم.”
التحريات الأمنية، وفق مصادر متطابقة، بدأت بعد توصل المصالح المختصة بعدة شكايات من ضحايا في مدن مختلفة، ما دفع إلى فتح تحقيق قضائي لتحديد هويات المتورطين كافة، بما في ذلك الوسطاء الذين لعبوا دورًا أساسيًا في تمرير هذه العمليات المشبوهة.
وتكشف القضية عن استغلال فاضح لحاجة الشباب إلى فرص العمل خارج البلاد، في ظل واقع اقتصادي واجتماعي صعب، ما يجعلهم فريسة سهلة لمثل هذه العصابات التي تتقن لغة الإقناع وتستغل الثقة والطموح.
- بين وهم “الخليج” وحقيقة البطالة المغربية:
تسلط هذه القضية الضوء على جانب مظلم من تجارة الأوهام التي تستهدف الشباب المغربي الباحث عن أمل في الخارج. فحين تنعدم فرص الشغل وتضيق الأبواب، يجد الكثيرون أنفسهم مستعدين لتصديق أي وعد بالسفر، ولو كان مغلفًا بالكذب والاحتيال.
السيدة المشتبه بها ليست مجرد حالة معزولة، بل رمز لظاهرة متنامية باتت تهدد مئات الأسر، وتؤكد الحاجة الملحة إلى ضبط صارم لسوق الوساطة في التوظيف بالخارج، ومراقبة المكاتب الوهمية التي تعمل خارج القانون.
القضية تطرح أيضًا سؤالًا جوهريًا حول ضعف الوعي القانوني والاجتماعي، فالكثير من الشباب لا يدركون أن أي عقد عمل في الخارج يجب أن يكون موثقًا ومصادقًا عليه من طرف وزارة الشغل أو الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات (أنابيك)، وأن أي تعامل خارج هذه القنوات الرسمية يُعد مغامرة محفوفة بالمخاطر.
إن هذه الواقعة يجب أن تُعتبر ناقوس خطر جديد يدعو الدولة والمجتمع المدني ووسائل الإعلام إلى تعزيز التوعية والتأطير، وإطلاق حملات لتثقيف الشباب حول مخاطر الهجرة غير القانونية والوساطة المشبوهة.
وفي الوقت نفسه، يجب على السلطات أن تتحرك بصرامة ضد كل من يتلاعب بأحلام الشباب، لأن الاحتيال باسم العمل الشريف ليس مجرد جريمة مالية، بل هو جريمة في حق الأمل والمستقبل.