استحضرت فعاليات اليوم الافتتاحي لملتقى “الحوارات الأطلسية”، الذي ينظمه مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد في دورته الرابعة عشرة بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات، نقاشات معمّقة حول مستقبل الديمقراطية في عالم يشهد تراجعاً متسارعاً في منسوب الثقة. ومع ذلك، ركزت الجلسة العامة الأولى على سؤال جوهري مفاده: هل تستطيع الديمقراطية تلبية تطلعات المواطنين في زمن ما بعد الثقة؟
ثم قدّم ثلاثة مسؤولين سابقين من غينيا بيساو والمكسيك وإيطاليا قراءات متقاطعة حول جذور أزمة الثقة، مبرزين أن التحدي لا يكمن في الديمقراطية كنظام، بل في قدرتها على التكيف مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة.
وبعد ذلك أوضح المتحدثون أن أسباب تآكل الثقة تختلف باختلاف القارات، إذ اعتبر وزير الخارجية المكسيكي السابق أن الإحباط في أمريكا اللاتينية مرتبط بفشل التحولات الديمقراطية في تحسين جودة الحياة، بينما ربطت وزيرة خارجية غينيا بيساو السابقة الوضع بغرب إفريقيا بنماذج ديمقراطية “مستوردة” لا تنسجم مع السياقات المحلية، وهو ما تجلى في تكرار الانقلابات. ومن جهتِه أشار رئيس وزراء إيطاليا السابق إلى أن أوروبا تعيش تآكلاً من نوع آخر تغذّيه الأزمات الاقتصادية وصعود الهويات القومية والتأثير المعرفي للذكاء الاصطناعي.
وبعد استعراض الأسباب، شدد المتدخلون على أن استعادة الثقة تتطلب صدقاً وشفافية ومساءلة، إلى جانب سياسات ملموسة تُبعد المواطنين عن وعود التجميل السياسي، مؤكدين أن الشباب يظل محورياً في تجديد الممارسة الديمقراطية رغم تحديات الأخبار المضللة.
وفي الوقت الذي ظهرت فيه مواقف متباينة حول فكرة “تكييف الديمقراطية”، دعت باربوسا إلى نموذج تكيّفي يراعي الواقع الإفريقي، بينما حذّر كاستانيدا من استعمال الخصوصيات المحلية لتبرير السلطوية، كما أكد جينتيلوني أن مضمون الأزمة الأوروبية يكمن في التجزئة السياسية التي تعرقل اتخاذ القرار.
وختمت الجلسة بالتأكيد على أن التمسك بجوهر الديمقراطية من انتخابات حرة وسيادة القانون وإعلام مستقل يبقى الضمان الوحيد لعبور مرحلة الشك، في سياق عالمي تتغير ملامحه بسرعة. ومن جهة أخرى، تمت الإشارة إلى أن نسخة 2025 من “الحوارات الأطلسية” توسّع النقاش نحو قضايا جديدة مثل دور الممرات المائية التجارية وحماية النظم البيئية، ضمن تسع جلسات عامة وعشرين ورشة عمل تهدف لفهم التحولات الأطلسية ورسم مسارات إصلاح واقعية.
المقالات ذات الصلة
اترك تعليقاً
