يعيش جيل الشباب اليوم واحدة من أكثر المراحل تعقيدًا في التاريخ الحديث، مرحلة تتقاطع فيها التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتفرض واقعًا جديدًا عنوانه القلق والضبابية. جيلٌ وُلد على إيقاع الأزمات، وكبر في ظل التحولات الرقمية، وشهد بعينيه تناقضات مجتمعٍ يرفع شعارات التنمية والعدالة، لكنه يعجز عن تحويلها إلى واقع ملموس.
في الشارع، وفي الجامعات، وعلى المنصات الرقمية، يتردّد سؤال مؤلم: إلى أين نسير؟ وهل ما زال المستقبل يستحق الانتظار؟
إن فقدان الشباب الثقة في المستقبل لم يعد مجرد شعور نفسي عابر، بل أصبح ظاهرة اجتماعية متجذّرة، تعكس خللًا في منظومة القيم، وفشلًا في السياسات العمومية التي لم تستطع استيعاب الطاقات الشابة أو إدماجها في سوق العمل والحياة العامة. فحين يغيب الأمل، تنكسر الإرادة، ويتحول الطموح إلى هجرة أو عزلة أو انسحاب صامت من المشاركة الوطنية.
تشير المؤشرات الوطنية والدولية إلى نسبٍ مقلقة في البطالة، وضعف فرص التشغيل، وارتفاع معدلات الهجرة بين الشباب، وهو ما يعكس أزمة ثقة بين الفرد والدولة، وبين الحلم والواقع. ولعل أخطر ما في هذه الأزمة أنها تغذي الإحباط الجماعي، وتدفع بالكثير من الشباب إلى فقدان الإحساس بالانتماء، والشعور بأن المستقبل لا يُصنع بالكفاءة وإنما بالمحسوبية والزبونية.
من هنا، يصبح السؤال المطروح بحدة: من يتحمّل مسؤولية هذا الانكسار النفسي والمعنوي؟ هل هي المدرسة التي لم تعد تُخرّج مواطنًا فاعلًا، بل حافظًا للمقررات؟ أم هي السياسات العمومية التي فشلت في جعل الشباب محور التنمية بدل أن يكون ضحيتها؟ أم هو الإعلام والثقافة التي لم تعد تبني القدوة ولا تحفز الطموح؟
إنّ استعادة ثقة الشباب ليست ترفًا سياسيًا، بل رهان وجودي لمستقبل الوطن. فأي مشروع تنموي لا يضع الشباب في قلبه مصيره الفشل، وأي إصلاح لا يمر من المدرسة والتكوين والعمل سيظل حبرًا على ورق. المطلوب اليوم ليس وعودًا جديدة، بل رؤية وطنية جريئة تعيد الاعتبار لقيمة الكفاءة، وتفتح أمام الشباب أبواب المبادرة والإبداع، وتمنحهم الشعور بأنهم جزء من القرار لا مجرّد أرقام في الإحصاءات.
إن الأوطان تُبنى على الثقة، والثقة تُبنى على العدالة والإنصاف والفرص المتكافئة. فحين يجد الشاب مكانه في وطنه، لن يبحث عن وطنٍ بديل، وحين يُصغي إليه المجتمع، لن يختار الصمت أو الهجرة. ولذلك، فإن معركة المستقبل تبدأ اليوم، من إعادة الاعتبار لجيل فقد الأفق، لكنه لم يفقد بعد الأمل.