بقلم: الأستاذ محمد عيدني – فاس
تتصاعد التساؤلات حول طبيعة الأزمات التي يعانيها المجتمع المغربي في السنوات الأخيرة، لتصل إلى نقطة أساسية: هل الأزمة أخلاقية قبل أن تكون اقتصادية؟ فالمظاهر الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة غالبًا ما تعكس جذورًا أعمق تتعلق بالقيم والسلوكيات الفردية والمؤسساتية.
تؤكد الملاحظات اليومية أن تراجع الالتزام بالقيم الأخلاقية في مختلف المجالات يسبق أحيانًا الانهيار الاقتصادي، ويشكل عاملًا أساسيًا في تفاقم الأزمات المالية والاجتماعية. فغياب النزاهة في المعاملات، وارتفاع مظاهر الفساد، وتراجع روح المسؤولية تجاه الواجب العام، كلها مؤشرات على أزمة أخلاقية متجذرة، تنعكس لاحقًا على أداء الاقتصاد وتوزيع الموارد.
ولا يمكن إغفال تأثير التعليم والثقافة المجتمعية في ترسيخ هذه الأزمة. فالنظام التربوي، في بعض جوانبه، لم يعد يركز بشكل كافٍ على تنمية القيم والأخلاق العامة، بينما تلعب الإعلام والثقافة الاستهلاكية دورًا في تعزيز السلوك الفردي الأناني والمصالح الضيقة، بدلًا من تعزيز التضامن والالتزام المجتمعي.
إضافة إلى ذلك، تلعب المؤسسات والسياسات العمومية دورًا مزدوجًا. فغياب الشفافية والمساءلة، إلى جانب التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، يولد شعورًا بالإحباط وفقدان الثقة لدى المواطنين، ما يجعل الالتزام الأخلاقي خيارًا ثانويًا أمام مصالح شخصية أو جماعية ضيقة.
إن انعكاسات الأزمة الأخلاقية على الاقتصاد واضحة: فكلما تضاءل الالتزام بالقيم العامة، ازداد الفساد، وتراجعت الكفاءة الإنتاجية، وتعززت الهشاشة الاجتماعية، لتظهر أزمة اقتصادية تبدو في ظاهرها منفصلة عن الأخلاق، لكنها في جوهرها نتاج مباشر لها.
الخلاصة: الأزمة التي يعيشها المجتمع المغربي ليست اقتصادية بحتة، بل أزمة أخلاقية عميقة تتسرب إلى جميع أبعاد الحياة العامة. وللتصدي لها، يرى الخبراء ضرورة اعتماد مقاربة شاملة تركز على تعزيز القيم الأخلاقية من خلال التعليم، الإعلام، والتشريعات، إلى جانب تعزيز المساءلة والشفافية في المؤسسات، لضمان بيئة اقتصادية واجتماعية صحية ومستدامة.
في النهاية، يبقى السؤال المحوري: هل سنتمكن من معالجة الأزمة الأخلاقية قبل أن تتحول إلى انهيار اقتصادي كامل، أم أننا سنظل نواجه نتائجها الوخيمة على المدى الطويل؟ الجواب مرتبط بالوعي الجمعي وإرادة الإصلاح التي تتجاوز حدود الاقتصاد لتصل إلى صميم القيم والسلوكيات المجتمعية.