بقلم: الأستاذ محمد عيدني – فاس
تظل ظاهرة غياب المحاسبة رغم وضوح المسؤولية إحدى أبرز الإشكاليات التي تواجه الإدارة العامة والمؤسسات المغربية، رغم المطالب الشعبية والحقوقية المستمرة بمحاسبة المسؤولين عن أي إخلال أو تقصير. فوضوح المسؤولية وحده لا يكفي لضمان مساءلة فعّالة، والواقع العملي يشير إلى استمرار التهرب من المحاسبة في كثير من الحالات.
تتعدد أسباب هذه الظاهرة وتتشابك بين أبعاد قانونية، إدارية، واجتماعية. أولها، ضعف الإطار القانوني والتنفيذي. فمع أن القوانين المغربية تحدد المسؤوليات بوضوح، إلا أن تطبيقها الفعلي يواجه عراقيل بيروقراطية وتأخيرًا في إجراءات التحقيق، وغالبًا غياب متابعة دقيقة تضمن محاسبة المسؤولين بشكل فعّال.
وثانيًا، غياب الشفافية والمراقبة المستقلة يفاقم المشكلة. فعندما لا تتوفر بيانات دقيقة أو تقارير موثوقة عن أداء المؤسسات، تصبح الإثباتات القانونية صعبة، حتى إذا كان الخطأ واضحًا على أرض الواقع. هذا الأمر يجعل من المحاسبة مجرد شعار يُرفع في المحافل الإعلامية أو السياسية دون ترجمة فعلية على المستوى التنفيذي.
ولا يمكن تجاهل عامل تداخل المسؤوليات والمصالح. ففي كثير من الأحيان، تشترك عدة أطراف في القرار أو الإشراف، ما يخلق ضبابية حول من يتحمل المسؤولية المباشرة، ويجعل من السهل التهرب من المحاسبة وتحويل النقاش إلى لعبة إلقاء اللوم بين الجهات المختلفة.
إضافة إلى ذلك، تلعب الثقافة المؤسسية والضغط الاجتماعي دورًا حاسمًا. في بعض المؤسسات، تُعتبر المحاسبة تهديدًا للعلاقات المهنية أو للاستقرار الوظيفي، ما يفضي إلى تبني ثقافة “التغاضي عن الأخطاء”، أو تجاهل المساءلة حتى في الحالات الواضحة، وهو ما يضر بثقة المواطنين في المؤسسات ويضعف الالتزام بالقوانين.
أخيرًا، يبقى نقص الإرادة السياسية والقانونية أحد أبرز المعوقات. فغياب الرغبة الحقيقية في تطبيق القوانين على المسؤولين، خصوصًا إذا كانت المحاسبة قد تمس مصالح سياسية أو اقتصادية، يجعل من الوعد بالمحاسبة مجرد خطاب إعلامي أكثر منه واقعًا ملموسًا.
إن هذه الإشكالية، إذا استمرت، تؤثر بشكل مباشر على الثقة في المؤسسات وتضعف شعور المواطنين بالعدالة والمساواة أمام القانون. وللتغلب عليها، يرى الخبراء أن الأمر يتطلب إطارًا قانونيًا صارمًا، مراقبة شفافة ومستقلة، إرادة تنفيذية قوية، وثقافة مؤسسية تقوم على المحاسبة والشفافية، لضمان أن المسؤولية تتحول من مجرد شعار إلى فعل ملموس يضمن حماية الحقوق ويعزز النزاهة.
في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح المؤسسات المغربية في ترجمة المسؤولية إلى محاسبة حقيقية، أم ستظل هذه الظاهرة متجذرة في ثقافة الإهمال المؤسسي؟ الجواب مرتبط بإرادة الجميع من سلطة، قانونيين، ومجتمع مدني، لإعادة الثقة والفعالية إلى صلب العمل المؤسسي. “