يثير مشروع القانون رقم 25.26 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة جدلًا واسعًا داخل الأوساط الإعلامية والحقوقية، بسبب ما يعتبره المهنيون تسرعًا تشريعيًا قد يهدد ركائز التنظيم الذاتي للصحافة المغربية ويضرب في العمق مكتسبات مهنية وحقوقية راكمها المغرب خلال العقدين الأخيرين. وجاءت مناقشة المشروع داخل مجلس المستشارين في سياق حساس، تزامن مع الخطاب الملكي السامي الذي دعا المؤسسات إلى تحمل مسؤولياتها في التشريع والحكامة، وهو ما يجعل من هذا النقاش أكثر من مجرد تمرين قانوني، بل محطة مفصلية في علاقة الدولة بالصحافة.
عبّر ممثلو النقابة الوطنية للصحافة المغربية عن امتنانهم لمجلس المستشارين ولجنة التعليم والثقافة والاتصال، لما أبدوه من حكمة وتأنٍ في دراسة المشروع، معتبرين أن البرلمان جسّد ما دعا إليه جلالة الملك في خطابه الأخير من ضرورة الإصغاء والتفاعل مع قضايا المجتمع بروح تشاركية ومسؤولة. وأكدوا أن مشروع القانون يعكس ارتباكًا تشريعيًا واضحًا، ناتجًا عن تسرّع حكومي في إعداد النص دون استشارة كافية للفاعلين في الحقل الإعلامي، إذ تحول الإصلاح إلى ترسانة قانونية غير ناضجة تهدد استقلالية المجلس الوطني للصحافة وتُفرغه من جوهره التنظيمي.
وأوضح المتحدثون أن المنهجية التي تم بها إعداد المشروع لم تفتح نقاشًا وطنيًا موسعًا، ولم تُشرك النقابات المهنية بالشكل المطلوب، كما لم ترافقها دراسة عميقة لطبيعة المهام التي يضطلع بها المجلس. واعتبروا أن التبرير الحكومي القائل بتمرير المشروع أولًا ثم تعديله لاحقًا يمثل سابقة خطيرة، لأن التشريع بمنطق التجريب في مؤسسة دستورية يعنى بحرية الصحافة هو مغامرة غير محسوبة العواقب. فالصحافة ليست حقل تجارب، وأجيال كاملة من المهنيين لا ينبغي أن تتحمل ضريبة هذا التسرع.
وترى النقابة الوطنية للصحافة المغربية أن جوهر الخلل في المشروع يتجلى في غياب ركن التشاور، وخرق عدد من المقتضيات الدستورية، وهدم مكتسبات التنظيم الذاتي، إضافة إلى إقحام مقتضيات تُخرج المجلس من جلباب الاستقلالية. كما انتقدت النقابة ما وصفته بالهندسة المؤسسية المعيبة، خصوصًا في ما يتعلق بالتحيز لفئة الناشرين وطريقة فرز عضوية الهيئتين داخل المجلس، معتبرة أن اعتماد الاقتراع الفردي للصحافيين خرق واضح لمبدأ المشاركة النقابية المنصوص عليه في الفصل الثامن من الدستور، ومساس بمبدأ التعددية والتمثيلية العادلة الوارد في الفصل 11، فضلًا عن مخالفته للفصل 12 المتعلق بالديمقراطية التشاركية.
وأكدت المداخلة أن المشروع يتعارض كذلك مع التزامات المغرب الدولية، خاصة اتفاقيتي منظمة العمل الدولية رقم 87 و98 بشأن الحريات النقابية والحق في التنظيم والمفاوضة الجماعية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966. ودعت إلى مراجعة المشروع بما يسمح بتوافق وطني ومهني حوله، معتبرة أن مبادرة رئيس مجلس النواب بطلب رأي المؤسسات الدستورية، ومبادرة رئيس مجلس المستشارين بتنظيم يوم دراسي حول الموضوع، تعكسان وعيًا تشريعيًا ومسؤولية مؤسساتية يمكن أن تفتح الباب أمام تصحيح المسار.
واختتمت المداخلة بالتأكيد على أن المطلوب اليوم ليس التسريع في تمرير النصوص، بل إنتاج تشريعات ناضجة تحمي الصحافيين وتحصن المؤسسات وتعزز استقلالية المهنة، لأن ما تحتاجه الصحافة المغربية اليوم هو مدونة حديثة تستوعب الأسئلة الجديدة للمهنة، وبيئة مهنية مسؤولة، وتنظيم ذاتي قوي يمتلك سلطة معنوية على الجسم الصحفي، ويحفظ للمجتمع حقه في إعلام حر ومسؤول يواكب التحولات الوطنية والدولية.