يشخص سياسيون وأكاديميون مغاربة ملامح تحولات واسعة داخل الحقل الحزبي، مؤكدين أن المشهد الوطني بات يقترب من نموذج الحزب الواحد التدبيري، بعدما أصبح الهدف المشترك لدى جميع التشكيلات السياسية هو ضمان المشاركة في الحكومة والتكيف مع البرنامج الثابت للدولة. غير أن هذا التحول، وفق المتدخلين، يعكس تقلص الهوامش المتاحة أمام الأحزاب وضعف قدرتها على التأطير وصناعة القرار.
كما أوضح محمد الساسي، الأكاديمي والقيادي اليساري، خلال ندوة وطنية بالرباط حول “تحولات الحقل الحزبي المغربي”، أن الجدار الذي كان يفصل بين الأحزاب “الإدارية” و”الوطنية” سقط تماما، إذ أضحت المجموعتان تلتقيان في هدف واحد هو نيل موقع داخل الجهاز التنفيذي، حتى ولو تطلب ذلك التنازل عن مطالب استراتيجية أو تغيير خطاباتها الأيديولوجية نحو براغماتية صرفة.
ثم توسع الساسي في طرحه مبرزا أن كل حزب بات يسعى لمواءمة برنامجه مع أولويات الدولة، فيما تحولت القيادة السياسية نحو نمط جديد يراهن على الخطاب الشعبوي لاستعادة بعض التأثير، مقابل تراجع التقليد السياسي المبني على المرجعية الفكرية والهوية التنظيمية.
وفي السياق نفسه، اعتبر محمد أوجار، وزير العدل الأسبق وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، أن العزوف الانتخابي وهيمنة الوسائط الرقمية والتغيرات القيمية ساهمت في تعميق أزمة الوساطة الحزبية، مشيرا إلى أن حزبه حاول التأقلم عبر إطلاق أوسع جلسات استماع عمومية وتنظيم مبادرات جهوية تروم فهم التحولات وابتكار حلول واقعية. غير أنه سجل أن الدولة لا تترك للأحزاب مجالات واسعة للتدبير، إذ يصطدم الوزراء، بعد تعيينهم، ببيروقراطية قوية تديرها الدولة العميقة.
وبينما شدد أوجار على ضرورة محاسبة الفاسدين داخل مختلف المستويات، اعتبر أن القرار الأممي الأخير بشأن الصحراء يمثل منعطفا تاريخيا يفرض مراجعة الدستور وتجديد النخب لرفع التحديات المقبلة، مؤكدا أن الجهات والجماعات ما تزال خاضعة لنفوذ الولاة والعمال أكثر من سلطة المنتخبين.
ومن جهته، أكد إدريس السنتيسي، القيادي بحزب الحركة الشعبية، أن الرغبة في إصلاح الحقل الحزبي قائمة، غير أن الوساطة السياسية غائبة، فيما تستمر أشكال من الفساد داخل المسار الانتخابي، مضيفا أن محدودية التمويل العمومي تضعف قدرة الأحزاب على استقطاب الشباب وتأطير المواطنين. ثم نبه إلى أن الأوزان الحزبية الحالية تبقى انتخابية بالأساس، حيث تتصدر عملية التزكيات منطق البحث عن الأصوات بدل الكفاءة، وهو ما يؤثر سلبا على جودة النخب داخل البرلمان.
