كشف ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أن المغرب يتعاطى مع نزاع الصحراء وفق مقاربة واضحة ترتكز على مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الإطار الوحيد للحل، وذلك بالتزامن مع استعداد المملكة لتقديم النسخة المحيّنة من مشروعها خلال الأيام المقبلة. وأوضح بوريطة، في حوار مع وكالة “إيفي”، أن المملكة لا تتحفظ على مبدأ تقرير المصير، لكنها ترفض اختزاله في مقاربات متجاوزة تُستعمل لأغراض سياسية، مؤكدا أن أي آلية دولية لمراقبة تنفيذ الحكم الذاتي غير مطروحة لكون المبادرة نفسها تقوم على ثقة المجتمع الدولي والدول الداعمة لها.
وفي السياق ذاته، أبرز الوزير أن قرار مجلس الأمن حدّد لأول مرة العناصر الأساسية للعملية التفاوضية، سواء في ما يتعلق بالأطراف أو الهدف النهائي المرتبط بحكم ذاتي حقيقي تحت السيادة المغربية، مضيفا أن الولايات المتحدة ستتولى احتضان الجولات المقبلة من المفاوضات بمشاركة الأطراف الأربعة. كما أشار إلى عدم وجود موعد محدد لانطلاق المفاوضات، وأن المملكة تنتظر دعوة المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا في الوقت المناسب.
وتأتي هذه المستجدات في ظل دينامية دبلوماسية متجددة يقودها المغرب لتحديث مبادرة الحكم الذاتي، في صيغة تأخذ بعين الاعتبار التطورات الدستورية والجهوية والتنموية التي عرفتها البلاد. ويُرتقب أن تشكل النسخة الجديدة مكسبا تفاوضيا مهما يعزز وضوح الرؤية ويقوي الثقة الدولية في المقاربة المغربية، من خلال تقديم أجوبة تفصيلية حول آليات التنزيل وتوزيع الصلاحيات وضمانات المشاركة.
من جهته، أوضح إبراهيم بلالي اسويح، المحلل السياسي وعضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، أن تصريحات بوريطة تعكس التوجه الاستشرافي للدبلوماسية الملكية، مذكرا بأن خطابَيْ عيد العرش وصدور القرار الأممي 2797 كرّسا الشرعية الدولية الكاملة لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الخيار الوحيد الواقعي والدائم للحل. وأضاف أن رفض الرباط لأي آلية خارجية للمراقبة ينسجم مع مبادئ المبادرة نفسها ومع الإجماع الأممي المتنامي حولها.
كما أشار اسويح إلى أن القرار الأممي الأخير يعكس تطورا دوليا جوهريا في فهم مبدأ تقرير المصير، الذي لم يعد مرادفا للانفصال، بل بات مرتبطا بصيغ سياسية مرنة تحترم السيادة الوطنية. وأكد أن المغرب يتقدم في المرحلة المقبلة من موقع مريح بفضل هذا التحول الدولي وبفضل الشرعية السياسية والدبلوماسية التي راكمها خلال السنوات الأخيرة.
وفي الاتجاه نفسه، اعتبر أبا علي أبا الشيخ، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، أن تصريحات بوريطة تواكب التحولات المتسارعة في المواقف الدولية، مؤكدا أن مبادرة الحكم الذاتي أصبحت الإطار الأكثر انسجاما مع الدينامية الحالية داخل الأمم المتحدة. وأبرز أن المغرب تمكن من ترسيخ مقاربة وطنية واضحة تستند إلى الإجماع الوطني وإلى دعم متزايد من القوى الدولية.
وأضاف أبا الشيخ أن استعداد المغرب لتقديم النسخة المحينة من مشروع الحكم الذاتي بعد استشارة واسعة للقوى الوطنية يؤكد الطابع التشاركي والمسؤول لهذا المسار، موضحا أن بداية المفاوضات ستكون مرتبطة بعرض الوثيقة الجديدة على الأمم المتحدة، وفق ما سبق أن أكد عليه بوريطة ودي ميستورا. كما شدد على أن احتمال احتضان الولايات المتحدة للجولة المقبلة يعكس الزخم الدولي الجديد والدعم الواضح للمبادرة المغربية.
واختتم المتحدث بالتأكيد على أن المغرب يدخل المرحلة المقبلة بأوراق تفاوضية قوية تستمد مشروعيتها من الثقة الدولية ومن القراءة الأممية الجديدة للنزاع، مشيرا إلى أن المقترح المغربي سيظل القاعدة الصلبة لأي تفاوض مستقبلي بفضل وضوح الرؤية التي حددها الملك محمد السادس والاستراتيجية المتماسكة للدبلوماسية المغربية.
